الثلاثاء، 28 فبراير 2012

بما عدت يا26فبراير


في ذكراها لا أصدق أن اليوم هو 26/فبراير في هذا اليوم والذي قد يكون يوم فرح عند أغلب الكويتين لكنه عندي يوم فتحت بعده أبواب الرعب علي !! كنت أيامها طفله في السادسه من عمري .. قد لا أكون رأيت الكثير من وطني قبل الغزو ولم تحمل ذاكرتي الكثير من الذكريات عنه..ولكن كنت أعلم بأن الوطن الذي عدت له ليس هو الوطن الذي تركته قبل 9اشهر!! ليلة عودتنا الى الكويت بعد التحرير بفتره كانت مرعبه لي!! مازلت اذكر منظر المأذنه المقصوفه في مركز الحدود!! والأسلاك الشائكة المتعلقه فيها أكياس النايلون!! والدبابات المدمره علي طرفي الطريق المظلم!! حدثت نفسي هل تهنى!أم انني كنت احلم!!  سرعان ماعدة إلى النوم مرعوبه من سوء المنظر!! استيقظت في منزلنا كان كل شئ في مكانه..خرجت في الساعه 7صباحاً إلى حوش بيتنا بعد أن نظرت السماء الملوثه بالدخان من الآبار المحترقه كنت اعتقد بأنها دقائق الأولى من الفجر !! شعرت بالجوع فتحت الثلاجه فرحت لرؤية التوست والخبز الكويتي..نحن فعلاً في الكويت التي لطالما اشتقت للرجوع إليها..بعدها لم يسرني شئ فيها!!
بعد عودتنا  بعدة اشهر لا اذكر بالضبط متى لكن اقاموا في ارض المعارض معرض للغزو في الخارج عرضوا مخلفات العراقين من دبابات ،ومدرعات ، وراجمات صواريخ ..كان المعرض عباره عن خيمه كبيره عرضت فيه صور للشهداء وآثار التعذيبّ عليهم وعلى بعض من مَن عذبوا على ايدي الطغاة!! والأدوات التي استخدموها لتعذيبهم!! اسلحه بأنواعها وقنابل..(في ذلك الوقت اصبح كل طفل خبير اسلحه ونحن الذين لم نكن نفرق بينها من قبل !!)كان هناك رجل ببدله عسكريه معه عصا يشير بها على مجموعه من الألغام وكان يشرح لنا عنها ويرينا انواعها ويحذر منها ..في وقتها كان البر مليء بالألغام!! كنا في كل يوم نتصفح فيه الجرايد كانت لاتخلو من انفجار لغم  وقد خلف وراءه ضحيتان او اكثر ناهيك عن ضحايها الذين بترت اطرافهم بعد ان نفجرت فيهم!! كان الذهاب إلى البر يعد انتحاراً!! والنزول إلى البحر يعد من ضرب الجنون!! حوصر من بقي في الكويت بالغزو وحوصرنا معهم بعد التحرير!! كانت أيام سوداء فعلاً! عدت لآخذ نصيبي من الرعب!!
اذكر في أحدى المرات القليله التي خرجنا فيها اخذنا شقيقي إلى بيت الشهيد (بيت القرين) لا اعتقد انه هو نفسه اليوم الذي كان قبل 21سنه.. كانت آثار الدماء على جدران البيت لازالت باقيه!! كان المنزل مدمر من الداخل اكثر من الخارج!! آثار الطلقات محفوره في الجدران كحقد مطلقيها..تنقلنا من غرفه لأخرى كان الدمار في كل مكان!! ليلتها لم استطع النوم كانت صور الشهداء لا تفارق خيالي!! وأماكن مصارعهم ماثلةً امامي!!
مهما كتبت عن تلك الأحداث أو المشاعر التي خالجتني في تلك فلن اعطيها حقها من الهلع الذي شعرت به ايامها!! لم يكف تلفزيون الكويت عن عرض أحداث الغزو وبث صور التعذيب والتنكيل للشهداء والدمار الذي خلفوه ورائهم العراقين...
ياالله ..لا ابالغ مارأيته وأنا طفله بعد التحرير اعطاني جرعات كبيره من الخوف استمرت معي لسنين طويله!! فكيف من عاش من قرنائي في الكويت خلال فترة الإحتلال ورأى فضاعات الغزو ووحشية  الغزاة!!!

كان لي قريب أسير، أسر في الأيام الأولى للغزو.. وهو من المحظوظين الذين خرجوا من الأسر بعد التحرير!! ولكنه عاد غير الشخص الذي لطالما عرفناه!! يوم عودته كان هزيلاً جدًا!! كان الشيب واضح في رأسه بالرغم من أنه في العشرينات من العمر!! رأيته محطم مشتت!! كان كل شئ إلا ذلك الشخص المرح.. الودود..المبتهج دائماً الذي اذكره!!!
ليلة رأيته بعد عودته لم يُسمح لي بالمكوث معه إلا دقائق معدوده وكذلك غيري من الصغار..لازلت اذكر جلسته منحني الظهر عيناه لاترتفع في عيون الناس!! بل لم ترتفع عيناه عن الأرض طوال فترة جلوسه!! لم ينطق بحرف واحد لنا لم اسمع منه الا همسات غير مفهومه!! ولكن عيناه حكت رعباً!! كان أقل مايقال أنه عاد محطم!! لم يحكي لنا يوماً ما حدث له في أسره!! ولكن القصه معروفه مهما اختلفنا في تفاصيل سردها أو اختلفوا رواتها لنا ..فشريعة جلادهم شريعة إبليس!!!

دائماً عندما يتذكرون أيام طفولتهم يتمنونها ان تعود.. إلا أنا لا أتمنى أن تعود وأعيش أيام مابعد التحرير فلا اريد أن اعيشها فلقد كنت في المملكة أيام الغزو بالرغم من مرارته كنت سعيده هناك فلم أرى هناك البشاعه والجريمه التي ارتكبت في وطني وفي ابناءه!! عدت بعد التحرير لأجد وطن تحطم ومدينة  أشباح استمر رعبي فيها طوال أيام طفولتي...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق